كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


<تنبيه> الحصر المذكور في هذا الحديث غير مراد بل المراد أن هذا هو الغالب فلا ينافي احتراف بعض الأصفياء وقد كان زكريا نجاراً وإدريس خياطاً وداود زردياً وفي حديث سيجئ‏:‏ ‏"‏وجعل رزقي تحت ظل رمحي‏"‏ وكان أبو بكر تاجراً قال بعض الصوفية المراد بالرزق هنا ما يشمل المعنوي كالعلوم والمعارف

- ‏(‏فر عن أبي هريرة‏)‏ لكنه قال من حيث لا يعلم وفيه عمر بن راشد عن عبد الرحمن بن حرملة‏.‏ قال الذهبي‏:‏ قال ابن عدي‏:‏ مجهول منكر الحديث وابن حرملة ضعفه القطان وغيره ‏(‏هب‏)‏ وكذا الحاكم في تاريخه ‏(‏عن علي‏)‏ أمير المؤمنين وقضية صنيع المؤلف أن البيهقي خرجه وسلمه ولا كذلك بل تعقبه بقوله لا أحفظه إلا بهذا الإسناد وهو ضعيف بمرة انتهى‏.‏ وقد رواه العسكري بلفظ‏:‏ ‏"‏أبى الله أن لا يجعل أرزاق عباده المؤمنين من حيث لا يحتسبون‏"‏ وسنده واه‏.‏ وقال الحافظ العراقي‏:‏ رواه عن علي أيضاً ابن حبان في الضعفاء وإسناده واه جداً انتهى‏.‏ وفي الميزان‏:‏ متنه منكر بل قال ابن الجوزي‏:‏ موضوع لكن نوزع‏.‏

40 - ‏(‏أبى اللّه أن يقبل عمل صاحب بدعة‏)‏ بكسر الموحدة التحتية وسكون الدال أي مذمومة قبيحة وهي الأهواء والضلالة كما يأتي بمعنى أنه لا يثنيه على ما عمله ما دام متلبساً بها ‏(‏حتى‏)‏ أي إلى أن ‏(‏يدع‏)‏ أي يترك ‏(‏بدعته‏)‏ بأن يتوب منها ويرجع إلى اعتقاد ما عليه أهل الحق ونفي القبول قد يؤذن بانتفاء الصحة كما في خبر‏:‏ ‏"‏لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ‏"‏ ويفسر القبول حينئذ بأنه ترتب الغرض المطلوب من الشيء على الشيء وقد لا -كما هنا - ونحوه الآبق والناشزة وشارب الخمر ويفسر بأنه الثواب ومنه خبر أحمد الآتي ‏"‏من صلى في ثوب قيمته عشرة دراهم فيه درهم حرام لم يقبل الله له صلاة مادام عليه‏"‏ ويميز بين الاستعمالين بالأدلة الخارجية‏.‏ وأما القبول من حيث ذاته فلا يلزم من نفيه نفي الصحة وإن لزم من إثباته إثباتها وكما أن عمل المبتدع غير مقبول فذنبه غير مغفور‏.‏ قال حجة الإسلام‏:‏ الجاني على الدين بابتداع ما خالف السنة بالنسبة لمن يذنب كمن عصى الملك في قلب دولته بالنسبة لمن خالف أمره في خدمة معينة وذلك قد يغفر فأما قلب الدولة فلا فلا فلا انتهى‏.‏ ولم أر من تعرّض للعمل المنفي قبوله في هذا الحديث ما المراد به العمل المشوب بالبدعة فقط أو حتى الموافق للسنة فظاهر الخبر التعميم أما المشوب بها فظاهر لأنه إذا عمل عملاً على قانون بدعته عدة سنة وهو لا يشعر ولا ثواب فيما خالف السنة وأما غيره فلأنه إذا عمل السنة فهو حال عمله يعتقد كونه بدعة فهو بمعزل عن قصد التقرب والامتثال‏.‏ وقد قال ابن القاسم‏:‏ لا نجد مبتدعاً إلا وهو منتقص للرسول وإن زعم أنه يعظمه بتلك البدعة فإنه يزعم أنها هي السنة إن كان جاهلاً مقلداً وإن كان مستبصراً فيها فهو مشاق لله ولرسوله انتهى‏.‏ وقد ذمّ الله قوماً رأوا الخير شراً وعكسه ولم يعذرهم فقال ‏{‏وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا‏}‏ ‏{‏أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً‏}‏ ثم هذه الجملة توطئة وتأسيس إلى ما هو المقصود من السياق وهو الحث على سلامة العقيدة والتنفير من ملازمة البدعة ومجالسة أهلها‏.‏ والبدعة كما قال في القاموس‏:‏ الحديث في الدين بعد الإكمال وما استحدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الأهواء‏.‏ وقال غيره‏:‏ اسم من ابتدع الشيء اخترعه وأحدثه ثم غلبت على ما لم يشهد الشرع لحسنه وعلى ما خالف أصول أهل السنة والجماعة في العقائد وذلك هو المراد بالحديث لإيراده في حيز التحذير منها والذم لها والتوبيخ عليها وأما ما يحمده العقل ولا تأباه أصول الشريعة فحسن والكلام كله في مبتدع لا يكفر ببدعته أما من كفر بها كمنكر العلم بالجزئيات وزاعم التجسيم أو الجهة أو الكون أو الاتصال بالعالم أو الانفصال عنه فلا يوصف عمله بقبول ولا رد لأنه أحقر من ذلك

- ‏(‏ه وابن أبي عاصم في‏)‏ كتاب محاسن ‏(‏السنة‏)‏ وكذا الديلمي والخطيب والسجزي في الابانة وابن النجار ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ وهو عند ابن ماجه من حديث عبد الله بن سعيد عن بشر بن منصور الحافظ عن أبي زيد عن المغيرة عن ابن ‏[‏ص 73‏]‏ عباس، قال في الميزان‏:‏ وأبو زيد وأبو المغيرة لا يدرى من هما، نعم يقويه ما رواه ابن ماجه أيضاً عن حذيفة مرفوعاً ‏"‏لا يقبل الله لصاحب بدعة صلاة ولا صدقة ولا حجاً ولا عمرة ولا جهاداً ولا صرفاً ولا عدلاً، يخرج من الدين كما تخرج الشعرة من العجين‏"‏‏.‏

41 - ‏(‏أبى الله أن يجعل للبلا‏)‏ بالكسر والقصر ويجوز فتحها الألم والسقم‏.‏ قال الراغب‏:‏ سمي به لأنه يبلي الجسم ‏(‏سلطاناً‏)‏ سلاطة وشدة ضنك ‏(‏على بدن عبده‏)‏ الإضافة للتشريف ‏(‏المؤمن‏)‏ أي على الدوام فلا ينافي وقوعه أحياناً لتطهيره وتمحيص ذنوبه‏.‏ فلا يعارضه الخبر الآتي ‏"‏إذا أحب الله عبداً ابتلاه‏"‏ أو المراد هناك المؤمن الكامل بدليل خبر ‏"‏أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل‏"‏ أو يقال المؤمن إذا ابتلي فإنه محمول عنه بحسب طاعته وإخلاصه ووجود حقائق الإيمان في قلبه حتى يحمل عنه من البلاء ما لو جعل شيء منه على غيره عجز عن حمله أو أن شدة محبته لربه الذي ابتلاه تدفع سلطان البلاء عنه حتى يصير عنده البلاء مستعذباً غير مسخوط بل يعده من أجلّ النعم أو المراد بالبلاء الذنوب وهو شؤم عواقبها فأهل البلاء هم أهل المعاصي وإن صحت أبدانهم وأهل العافية أهل السلامة وإن مرضوا‏.‏ ثم هذا كله سوق الكلام على ما هو المتبادر للأفهام ببادئ النظر من أن المقصود عدم الجعل حال الحياة، وذهب بعضهم إلى تنزيله على ما بعد الموت، وعليه فالمراد أن الأرض لا تأكل بدنه ولا ينافيه خبر ‏"‏كل ابن آدم يأكله التراب‏"‏ لأنه خص منه عشرة أصناف كما يأتي وأراد هنا واحداً منها‏.‏ قال الراغب‏:‏ والبدن الجسد لكن البدن يقال اعتباراً بعظم الجثة والجسد اعتباراً باللون ومنه قيل امرأة بادن وبدين عظيمة الجسم

- ‏(‏فر عن أنس‏)‏ وفيه القاسم بن إبراهيم الملطي كذاب لا يطاق قال في اللسان له عجائب من الأباطيل‏.‏

42 - ‏(‏إبتدروا‏)‏ بكسر الهمزة والدال ‏(‏الأذان‏)‏ أي سابقوا إلى التأذين للصلاة وسارعوا إليه ندباً والبدار المسارعة ‏(‏ولا تبتدروا الإمامة‏)‏ بالكسر ككتابة أي لا تسابقوا إليها ولا تزاحموا عليها لأن المؤذن أمين والإمام ضمين كما في خبر، والإمامة أعلى من الضمان، ولدعائه له في خبر بالمغفرة والامام بالإرشاد والمفغرة أعلى ومن ثم ذهب النووي إلى تفضيله عليها وإنما لم يواظب النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه عليه لاحتياج رعاية المواقيت إلى فراغ وهو مشغولون بشأن الأمة ولهذا قال عمر لولا الخلافة لأذنت وهذا وأشباهه خطاب للصحب الحاضرين وحكمه عام في أمة الإجابة لأن حكم الشارع على الواحد حكمه على الجماعة إلا لدليل

- ‏(‏ش عن يحيى بن أبي كثير‏)‏ أبي منصور اليمامي أحد الأعلام من العلماء العباد ‏(‏مرسلاً‏)‏ بفتح السين وتكسر كما في الديباج أرسل عن أنس وغيره وله شواهد‏.‏

43 - ‏(‏ابتغوا‏)‏ بكسر الهمزة اطلبوا بجدّ واجتهاد‏.‏ قال الراغب الابتغاء مخصوص بالاجتهاد في الطلب‏.‏ وقال الحراني الابتغاء افتعال تكلف البغي وهو أشد الطلب ‏(‏الرفعة‏)‏ بكسر الراء الشرف وعلو المنزلة ‏(‏عند الله‏)‏ أي في دار كرامته‏.‏ قال الراغب‏:‏ عند لفظ موضوع للقرب يستعمل تارة في المكان وتارة في الاعتقاد وتارة في الزلفى والمنزلة نحو ‏{‏أحياء عند ربهم يرزقون‏}‏ وعليه قوله‏:‏ ‏{‏هو الحق من عندك‏}‏ قال بعض الصحب وما هي يا رسول الله أي وما يحصلها قال ‏(‏تحلم‏)‏ بضم اللام ‏(‏عمن جهل‏)‏ أي سفه ‏(‏عليك‏)‏ أي تضبط نفسك عن هيجان الغضب من سفهه‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ فلان يجهل على قومه يتسافه عليهم قيل

ألا لا يجهلن أحد علينا * فنجهل فوق جهل الجاهلينا

وقال الراغب‏:‏ الحلم ضبط النفس والطبع عند هيجان الغضب ‏(‏وتعطي من حرمك‏)‏ منعك ما هو لك أو معروفه ورفده لأن مقام الإحسان إلى المسيء ومقابلة إساءته بالصلة من كمال الإيمان الموجب للرفعة وفيه من الفوائد والمصالح ما ينبئ عنه نطاق الحصر فإذا بلغ العبد ذروة هاتين الخصلتين فقد فاز بالقدح المعلى وحل في مقام الرفعة عند ‏[‏ص 74‏]‏ المولى وقد اتفقت الملل والنحل على أن الحلم والسخاء يرفعان العبد وإن كان وضيعاً وأنهما أصل الخصال الموصلة إلى السعادة العظمى وما سواهما فرع عنهما

- ‏(‏عد عن‏)‏ أبي عبد الرحمن ‏(‏بن عمر‏)‏ بن الخطاب وفيه كما في الأصل الوازع بن نافع متروك وقال الحاكم وغيره يروي أحاديث موضوعة وأطال في اللسان القدح فيه‏.‏ توهين ما يرويه‏.‏

44 - ‏(‏ابتغوا الخير‏)‏ كلمة جامعة تعم كل طاعة ومباح دنيوي وأخروي والمراد هنا الحاجة الأخروية أو الدنيوية كما يفسره رواية أبي يعلى والبيهقي والخرائطي ‏"‏اطلبوا الحوائج‏"‏ ورواية ابن عدي ‏"‏اطلبوا الحاجات‏"‏ ‏(‏عند حسان‏)‏ جمع حسن محركاً والحسن بالضم الجمال‏.‏ وقال الراغب الحسن عبارة عن كل بهيج مرغوب فيه وهو ثلاثة أضرب مستحسن من جهة العقل ومستحسن من جهة الهوى ومستحسن من جهة الحسن‏.‏ والحسن أكثر ما يقال في تعارف العامة في المستحسن بالبصر وفي القرآن للمستحسن من جهة البصيرة ‏(‏الوجوه‏)‏ لأن حسن الوجه وصباحته يدل على الحياء والجود والمروءة غالباً لكن قد يتخلف كما يشير إليه تعبيره في بعض الروايات ‏"‏برب‏"‏ أو المعنى اطلبوا حوائجكم من وجوه الناس أي أكابرهم ويؤيده خبر ‏"‏إن سألت فاسأل الصالحين‏"‏ قال بعضهم‏:‏ الرؤساء والأكابر يحتقرون ما أعطوه والصلحاء لا يشهدون لهم ملكاً مع الله أو المراد بحسن الوجه بشاشته عند السؤال وبذل المسؤل عند الوجدان وحسن الاعتذار عند الفقد والعدم

- ‏(‏قط في‏)‏ كتاب ‏(‏الأفراد‏)‏ عن علي بن عبد الله بن ميسرة عن محمد بن جعفر بن عبد الله الغفاري عن يزيد بن عبد الملك النوفلي عن عمران بن إياس ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال ابن الجوزي موضوع الغفاري يضع انتهى‏.‏ وتعقبه المؤلف في مختصر الموضوعات بأن ابن أبي الدنيا خرجه عن مجاهد بن موسى عن سفيان عن يزيد بن عبد الملك به فزالت تهمة الغفاري فكان ينبغي له أعني المؤلف أن يعزوه لابن أبي الدنيا الذي ذكر أن طريقه قد خلت عن الوضاع وأن لا يعزوه للدارقطني لأنه سلم أن في طريقه رضاعاً‏.‏ وقد ذكر السخاوي الحديث من عدة طرق عن نحو عشرة من الصحب‏.‏ ثم قال طرقه كلها ضعيفة لكن المتن غير موضوع انتهى، وسبقه لنحوه ابن حجر فقال‏:‏ طرقه كلها ضعيفة وبعضها أشد ضعفاً من بعض‏.‏

45 - ‏(‏أبد‏)‏ بفتح الهمزة وكسر الدال فعل أمر ‏(‏المودّة لمن وادّك‏)‏ أي أظهر ندباً المحبة الشديدة لمن أخلص حبه لك ‏(‏فإنها‏)‏ أي هذه الخصلة وفي رواية ‏"‏فإنه‏"‏ أي هذا الفعل ‏(‏أثبت‏)‏ أي أدوم وأرسخ والود خالص الحب وهو منه بمنزلة الرأفة من الرحمة والمعنى إذا أحببت إنساناً لغير منهي عنه شرعاً فاظهر له ذلك أي أعلمه بأنك تحبه ويأتي تعليله في خبر بأنه يجد لك مثل ما تجد له‏.‏ قال القاضي‏:‏

وبذلك يتأكد الحب وتدوم الألفة، والألفة إحدى فرائض الإسلام وأركان الشريعة ونظام شمل الدين‏.‏ ومما يجلب المودة المحافظة على الابتداء بالسلام مراعاة لأخوة الإسلام وتعظيماً لشعار الشريعة‏.‏ قال‏:‏ والود محبة الشيء مع تمنيه ولذلك يستعمل في كل منهما‏.‏ وقال الحراني‏:‏ الود صحة نزوع النفس للشيء المستحق نزوعها له‏.‏ وقال الزمخشري‏:‏ تقول ووددته وداً ومودة ووددت لو كان كذا وبودي لو كان كذا‏.‏ وقال الراغب‏:‏ الود محبة الشيء وتمني كونه قاله والثبات فيه ضد الزوال

- ‏(‏الحارث‏)‏ بن محمد ‏(‏بن أبي أسامة‏)‏ التميمي صاحب المسند المشهور كان حافظاً عارفاً بالحديث تكلم فيه بلا حجة ‏(‏طب‏)‏ وابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان وأبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏ في الثواب كلهم ‏(‏عن أبي حميد‏)‏ بالتصغير ‏(‏الساعدي‏)‏ عبد الرحمن وقيل المنذر بن سعيد شهد أحداً وما بعدها وعاش إلى خلافة يزيد قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول فذكره‏.‏ قال الهيتمي‏:‏ وفيه من لم أعرفهم انتهى‏.‏ وحينئذ فرمز المؤلف لحسنه عليل‏.‏

46 - ‏(‏ابدأ‏)‏ بالهمزة وبدونه فيه وفيما بعده كما ذكره الزركشي ‏(‏بنفسك‏)‏ أي بما تحتاجه من مؤنة وغيرها‏.‏ والنفس ما به ينفس المرء على غيره ‏[‏ص 75‏]‏ استبداداً منه واكتفاء بوجود نفاسته على من سواه ذكره الحراني والمراد هنا الذات أي قدم ذاتك فيما تحتاج إليه من نحو نفقة وكسوة ‏(‏فتصدق عليها‏)‏ لأنك المخصوص بالنعمة المنعم عليك بها فتلقاها بالقبول وقدم مهجتك وحاجتك على من تعول وسمى الانفاق عليها صدقة لأنه قربة إذا كان من حلال وكفافاً وقد ينتهي إلى الوجوب وذلك عند الاضطرار ‏(‏فإن‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏"‏ثم إن‏"‏ ‏(‏فضل‏)‏ بفتح الضاد ومضارعه بضمها وبكسر الضاد فمضارعه بفتحها وفضل بالكسر يفضل بالضم شاذ ‏(‏شيء فلأهلك‏)‏ أي زوجتك‏.‏ قال الراغب‏:‏ يعبر عن امرأة الرجل بأهله وذلك لأن نفقتها معاوضة وما بعدها مواساة ‏(‏فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك‏)‏ لأنهم في الحقيقة منك فيحصل بذلك الجبر التام بالمواساة وصلة الأرحام ثم إن حمل على التطوع شمل كل قريب أو الواجب اختص بمن تجب نفقته من أصل وفرع عند الشافعي وغيرهما أيضاً عند غيره وله تفاريع في الفروع‏.‏ قال الزين العراقي‏:‏ وسكت عن القن ولعله لأن أكثر الناس لا أرقاء لهم أو لأن المخاطب لا قنّ له وزعم دخوله في الأهل للمناقشة فيه مجال وقدم الحنابلة القن على القريب عند التزاحم وسكت عنه الشافعية‏.‏ قال الولي العراقي‏:‏ وكأنه لأن له جهة ينفق منها وهي كسبه فإن تعذر بيع أو جزء منه لنفقته ‏(‏فإن فضل عن ذوي قرابتك شيء فهكذا وهكذا‏)‏ أي بين يديك وعن يمينك وشمالك كما فسره به في رواية مسلم والنسائي وكنى به عن تكثير الصدقة وتنويع جهاتها وليس المراد حقيقة هذه الجهات المخصوصة‏.‏ وفيه الابتداء بالنفقة على الترتيب المذكور‏.‏ قال المحقق أبو زرعة‏:‏ ومحل تقديم النفس فيمن لا يصبر على الإضافة فمن صبر عليها فايثاره محبوب محمود في القرآن وفعله أكابر الأعيان‏.‏ وفيه أن الإنسان إذا وجد بعض الصيعان في الفطرة قدم نفسه وإن وجدها كلها لأن في تأخيرها غرر لاحتمال أن المال يتلف قبل إخراجها‏.‏ وفيه أن الحقوق والفضائل إذا تزاحمت قدم الآكد وأن الأفضل في صدقة النفل تنويعها في وجوه البر بالمصلحة ولا يحصرها في جهة ونظر الإمام في مصلحة رعيته وأمرهم بما فيه مراشدهم والعمل بالإشارة وأنها قائمة مقام النطق إذا فهم المراد بها إلا أن الشافعية لم يكتفوا بإشارة الناطق إلا في الأمور الخفية لا كالعقود والفسوخ

- ‏(‏ن عن جابر‏)‏ بن عبد الله الأنصاري قال‏:‏ ‏"‏أعتق رجل عبداً له عن دبر فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ألك مال غيره‏؟‏ قال‏:‏ لا فقال‏:‏ فمن يشتريه مني فاشتراه نعيم العدوي بثمان مئة درهم فجاء بها النبي صلى الله عليه وسلم فدفعها إليه ثم ذكره وإسناده صحيح‏.‏

47 - ‏(‏إبدأ‏)‏ بكسرة الهمزة وفتح المهملة ‏(‏بمن تعول‏)‏ أي تمون يعني بمن تلزمك مؤنته من نفسك وزوجك وقريبك وذي روح ملكته فإن اجتمعوا وله ما ينفق على الكل لزمه وإلا قدم نفسه فزوجته فولده الصغير أو المجنون فأمه فأباه فولده المكلف فجده فأبا جده وإن علا ذكره الشافعي‏.‏ قال السمهودي‏:‏ والحديث وإن ورد في الإنفاق فالمحققون يستعملونه في أمور الآخرة كالعالم يبدأ بعياله في التعليم ويؤيده قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قوا أنفسكم وأهليكم ناراً ‏}‏ الآية‏.‏ وأخذ بعض الصوفية منه أنه يقصد بتعلم العلم نفسه أولاً ثم المسلمين ثانياً‏:‏ الأقرب فالأقرب‏.‏ فلا يقصد نفع غيره إلا تبعاً ليحوز أجر النية والعمل

- ‏(‏وطب‏)‏ والقضاعي ‏(‏عن حكيم بن حزام‏)‏ بفتح الحاء والزاي كذا ضبطه ابن رسلان ومن خطه نقلت لكن ضبطه ابن حجر كالكرماني بكسر أوله وهو الظاهر وهو ابن خويلد الأسدي من المؤلفة الأشراف الذين حسن إسلامهم، عاش مئة وعشرين سنة نصفها في الجاهلية ونصفها في الإسلام قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ الصدقة أفضل فذكره، رمز المؤلف لصحته وليس كما قال فقد قال الهيتمي‏:‏ فيه أبو صالح مولى حكيم ولم أجد من ترجمه‏.‏

48 - ‏(‏إبدؤا‏)‏ بكسر الهمزة أيها الأمة في أعمالكم القولية والفعلية ‏(‏بما‏)‏ أي بالشيء الذي ‏(‏بدأ الله به‏)‏ في التزيل فيجب عليكم ‏[‏ص 76‏]‏ الابتداء في السعي بالصفا لابتدائه به في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الصفا والمروة‏}‏ وفيه وجوب السعي‏.‏ قال الكمال ابن الهمام‏:‏ ورد بصيغتي الخبر والأمر وهو يفيد الوجوب خصوصاً مع ضم خبر‏:‏ ‏"‏خذوا عني مناسككم‏"‏ انتهى‏.‏ فهو عند الحنفية واجب وعند الشافعي ركن وهذا وإن ورد على سبب وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ثم سعى فبدأ بالصفا وقرأ ‏{‏إن الصفا والمروة من شعائر الله‏}‏‏.‏ ثم ذكره فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب‏.‏ وقد كان الرسول يحافظ على تقديم كل مقدم فقدم غسل الوجه في الوضوء ثم فثم وزكاة الفطر على صلاة العيد تقديماً للمقدم في آية‏:‏ ‏{‏قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى‏}‏ وبذلك اتضح استدلال الشافعية به على وجوب ترتيب الوضوء‏.‏ وأخرج الحاكم عن ابن عباس وصححه‏:‏ ‏"‏أنه أتاه رجل فقال أأبدأ بالمروة قبل الصفا أو بالصفا‏؟‏ وأصلي قبل أن أطوف أو أطوف قبل‏؟‏ وأحلق قبل أن أذبح أو أذبح قبل‏؟‏ فقال خذه من كتاب الله فإنه أجدر أن يحفظ قال تعالى ‏{‏إن الصفا والمروة‏}‏ الآية فالصفا قبل، وقال‏:‏ ‏{‏وطهر بيتي للطائفين‏}‏ الآية فالطواف قبل وقال‏:‏ ‏{‏لا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله‏}‏ فالذبح قبل‏"‏‏.‏ انتهى‏.‏ وما ذكره في غير الصفا محمول على الأكمل لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم ما سئل يوم النحر عن شيء قدم ولا أخر إلا قال‏:‏ افعل ولا حرج

- ‏(‏قط‏)‏ من عدة طرق ‏(‏عن‏)‏ أبي عبد الله ‏(‏جابر‏)‏ بن عبد الله الخزرجي المدني ورواه عنه أيضاً النسائي بإسناد صحيح باللفظ المزبور في حديث طويل وكذا البيهقي وصححه ابن حزم فاقتفاه المؤلف فرمز لتصحيحه ورواه مسلم بلفظ‏:‏ ‏"‏ابدؤا‏"‏ بصيغة المضارع للمتكلم وأحمد ومالك وابن الجارود وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والنسائي أيضاً بلفظ‏:‏ ‏"‏نبدأ‏"‏ بالنون‏.‏ وقال ابن دقيق العيد مخرج الحديث عندهم واحد وقد أجمع مالك وسفيان والقطان على رواية‏:‏ ‏"‏نبدأ‏"‏ بنون الجمع‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ وهو أحفظ من الباقين وهو يؤيد ضبط مسلم‏.‏

49 - ‏(‏أبردوا‏)‏ بقطع الهمزة وكسر الراء ‏(‏بالظهر‏)‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ ‏"‏بالصلاة‏"‏ أي بصلاة الظهر كما بينته هذه الرواية أي أدخلوها في البرد بأن تؤخروها ندباً عن أول وقتها إلى أن يصير للحيطان ظل يمشي فيه قاصد الجماعة من محل بعيد بشرط عدم وجود ظل يمشي فيه وأن لا يجاوز به نصف الوقت وأن يكون بقطر حار كما يشير إليه قوله ‏(‏فإن شدة الحر‏)‏ أي قوته ‏(‏من‏)‏ بعض أو ابتداء ‏(‏فيح‏)‏ بفتح الفاء وسكون المثناة تحت ‏(‏جهنم‏)‏ أي هيجانها وغليانها وانتشار لهبها، فعلم أن من تبعيضية أو ابتدائية وقال بعضهم جنسية بناء على ما قيل من أن كون شدة الحر من فيح جهنم تشبيه لا حقيقة وحكمته دفع المشقة لسلب الخشوع أو كماله كما في من حضره طعام يتوق إليه أو يدافعه الخبث والأخبار الآمرة بالتعجيل عامة أو مطلقة والأمر بالإبراد خاص فهو مقدم وزعم أن التعجيل أكثر مشقة فيكون أفضل منع بأن الأفضلية لا تنحصر في الأشق فقد يكون غير الشاق أفضل كالقصر في الصلاة‏.‏ وأما خبر مسلم عن خباب بن الأرت ‏"‏شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا‏"‏ أي لم يزل شكوانا فمنسوخ بالنسبة إلى الإبراد أو محمول على أنهم طلبوا تأخير زائداً على قدر الإبراد وظاهر الخبر وجوب الإبراد لكن لما قام الإجماع على عدمه حمل على الندب وإنما لم نؤمر بالتأخير لشدة البرد مع أنه أيضاً من جهنم لأنه إنما يكون وقت الصبح ولا يزول إلا بطلوع الشمس فيخرج الوقت وخرج بالظهر غيرها حتى الجمعة للأمر بالتبكير إليها وإبراد النبي بها لبيان الجواز والأذان وأمره بالإبراد حمل على الإقامة بدليل التصريح بها في رواية الترمذي، وجهنم اسم لنار الآخرة عربي لا معرب من الجهامة وهي كراهة المنظر غير منصرف للتعريف والتأنيث

- ‏(‏خ ه‏)‏ وكذا أحمد ‏(‏عن أبي سعيد‏)‏ الخدري ‏(‏حم ك‏)‏ وقال صحيح وكذا الطبراني وابن قانع والضياء ‏(‏عن صفوان بن مخرمة‏)‏ بفتح الميم وسكون المعجمة وفتح الراء والميم الزهري وهو أخو المسور ‏(‏ن عن أبي موسى‏)‏ الأشعري عبد الله بن قيس أمير زبيد وعدن للنبي صلى الله عليه وسلم وأمير البصرة والكوفة لعمر‏.‏ قال الواقدي‏:‏ كان حليفاً لسعيد بن العاص وأسلم بمكة وهاجر الحبشة ‏(‏طب عن‏)‏ أبي ‏[‏ص 77‏]‏ عبد الرحمن ‏(‏ابن مسعود‏)‏ عبدا ‏(‏عد عن جابر‏)‏ بن عبد الله ‏(‏ه‏)‏ وكذا البيهقي والطبراني ‏(‏عن المغيرة‏)‏ بضم الميم على المشهور وتكسر ‏(‏ابن شعبة‏)‏ أحد دهاة العرب، أسلم عام الخندق ومات سنة خمسين وأحصن في الإسلام ثلاث مئة امرأة وقيل ألفاً‏.‏ قال المؤلف‏:‏ حديث متواتر رواه بضعة عشر صحابياً‏.‏

50 - ‏(‏أبردوا‏)‏ ندباً ‏(‏بالطعام‏)‏ أي أخروا أكله إلى أن يبرد فتناولوه بارداً يقال أبرد إذا دخل في البرد وأظهر إذا دخل في الظهيرة وباؤه للتعدية أو زائدة ثم علل الأمر بالتأخير بقوله ‏(‏فإن الحار لا بركة فيه‏)‏ أي الطعام الحار أو مطلقاً فيفيد الأمر بالابراد بالشراب في الشرب وفي الطهارة وفي رواية بدله ‏"‏فإن الطعام الحار غير ذي بركة‏"‏ وفي رواية‏:‏ ‏"‏فإنه أعظم للبركة‏"‏ والمراد هنا نفي ثبوت الخير الإلهي فيكره استعمال الحار لخلوه عن البركة ومخالفته للسنة بل إن غلب على ظنه ضرره حرم

- ‏(‏فر عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب وفيه إسحاق بن كعب‏.‏ قال الذهبي‏:‏ ضعف عن عبد الصمد بن سليمان قال الدارقطني‏:‏ متروك عن قزعة ابن سويد‏.‏ قال أحمد‏:‏ مضطرب الحديث وأبو حاتم لا يحتج به عن عبد الله بن دينار غير قوي ‏(‏ك عن جابر‏)‏ بن عبد الله لكن بلفظ‏:‏ ‏"‏فإن الطعام الحار غير ذي بركة‏"‏ ‏(‏وعن أسماء‏)‏ بفتح الهمزة وبالمد بنت الصديق أخت عائشة وأم أمير المؤمنين ابن الزبير من المهاجرات، عمرت نحو مئة وعاشت بعد صلب ابنها عشر ليال ‏(‏مسدد‏)‏ في مسنده المشهور وهو أين مسرهد الأسدي البصري الحافظ من شيوخ البخاري ‏(‏عن أبي يحيى‏)‏ جد أبي هريرة الكوفي واسمه شيبان صحابي له هذا الحديث الواحد ‏(‏طس عن أبي هريرة‏)‏‏.‏ قال الهيتمي‏:‏ وفيه عبد الله بن يزيد البكري ضعفه أبو حاتم ‏(‏حل عن أنس‏)‏ قال‏:‏ أتى النبي صلى الله عليه وسلم بقصعة تفور فرفع يده منها وقال‏.‏ إن الله لم يطعمنا ناراً ثم ذكره‏.‏

51 - ‏(‏أبشروا‏)‏ بفتح الهمزة وكسر المعجمة ‏(‏وبشروا‏)‏ أي أخبركم بما يسركم وأخبروا ‏(‏من وراءكم‏)‏ بفتح الميم في رواية وكسرها في أخرى يعني أخبروا من قدامكم ممن سيوجد في المستقبل أو يقدم عليكم في الآتي، كذا قرره شارحون، وهو وإن كان صحيحاً في نفسه لا يلائم قوله الآتي‏:‏ ‏"‏فخرجنا من عنده نبشر‏"‏ والمناسب له أخبروا من لقيتم وهو وراء كلمة تكون خلفاً وتكون قداماً وأكثر ما تكون في المواقيت من الأيام والليالي لأن الوقت يأتي بعد مضي الإنسان فيكون وراءه وإن أدركه الإنسان كان قدامه ويجوز أن يكون المعني أخبروا من سواكم فإن وراء أيضاً تأتي يمعنى سوى كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فمن ابتغى وراء ذلك‏}‏ أي سواه والمراد أخبروهم بما يسرهم وهو ‏(‏أنه‏)‏ أي بأنه ‏(‏من شهد أن‏)‏ أي أنه ‏(‏لا إله‏)‏ أي لا معبود بحق في الوجود ‏(‏إلا الله‏)‏ الواجب الوجود لذاته ‏(‏صادقاً‏)‏ نصب على الحال ‏(‏بها‏)‏ أي الشهادة أي مخلصاً في إتيانه بها بأن يصدق قلبه لسانه ‏(‏دخل الجنة‏)‏ إن مات على ذلك ولو بعد دخوله النار فمآله إلى الجنة ولا بد، فالميت فاسقاً تحت المشيئة إن شاء عذبه كما يريد ثم مصيره إلى أن يعفى عنه فيخرج من النار وقد اسود فينغمس في نهر الحياة ثم يعود له أمر عظيم من الحال والنضارة ثم يدخل الجنة ويعطى ما أعدّ له بسابق إيمانه وما قدمه من العمل الصالح وإن شاء عفا عنه ابتداء فسامحه وأرضى عنه خصماءه ثم يدخله الجنة مع الناجين‏.‏ وقول الخوارج‏:‏ مرتكب الكبيرة كافر وقول المعتزلة مخلد في النار حتماً ولا يجوز العفو عنه كما لا يجوز عقاب المطيع - من تقولهم وافترائهم على الله، تعالى الله عما يقول الظالمون‏.‏ والبشارة الخبر السارّ الذي يظهر بأوله أثر السرور على البشرة ذكره القاضي‏.‏ وقال الراغب‏:‏ الخبر بما يسر فتنبسط بشرة الوجه وذلك أن النفس إذ سرت انتشر الدم انتشار الماء في الشجر‏.‏ والصدق‏:‏ الإخبار المطابق وقيل مع اعتقاد المخبر أنه كذلك عن دلالة أو أمارة واقتصر على أحد الركنين لأنهم كانوا عبدة أوثان فقصد به نفي ألوهية ما سواه تعالى مع اشتهاره عندهم بأنه رسول الله واستبانته منهم الإيمان بشهادة قدوم كبرائهم عليه مؤمنين ‏[‏ص 78‏]‏‏.‏

- ‏(‏حم طب عن أبي موسى‏)‏ الأشعري قال‏:‏ ‏"‏أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعي نفر من قومي فقال أبشروا‏"‏ إلى آخره‏:‏ ‏"‏فخرجنا من عنده نبشر الناس فاستقبلنا عمر فرجع بنا إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول الله إذن يتكلوا فسكت‏"‏ قال الهيتمي رجاله ثقات وله طرق كثيرة انتهى ولذلك رمز المؤلف لصحته هنا وقال في الأصل صحيح‏.‏

52 - ‏(‏أبعد الناس من الله‏)‏ أي من كرامته ومزيد رحمته من البعد‏.‏ قال الحراني‏:‏ وهو انقطاع الوصلة في حس أو معنى ‏(‏يوم القيامة القاص‏)‏ بالتشديد أي الذي يأتي بالقصة من قص أثره اتبعه لأن الذي يقص الحديث يتبع ما حفظ منه شيئاً فشيئاً كما يقال تلى القرآن إذا قرأه لأنه يتلو أي يتبع ما حفظ آية بعد آية كما في الكشاف‏.‏ وقال الحراني‏:‏ القص تتبع أثر الوقائع والأخبار يبينها شيئاً بعد شيء على ترتيبها في معنى قص الأثر وهو اتباعه حتى ينتهي إلى محل ذي أثر ‏(‏الذي يخالف إلى غير ما أمر به‏)‏ ببناء أمر للفاعل أي الذي يخالف قوله فعله ويعدل إلى غير ما أمر به الناس من التقوى والاستقامة ويمكن بناؤه للمفعول والفاعل الله أي الذي يخالف ما أمر الله به من مطابقة فعله لقوله وذلك لجرأته على الله بتكذيب فعله لقوله كبني إسرائيل لما قصوا أهلكوا أي تكلموا على القول وتركوا العمل فأهلكوا والمراد هنا من يعلم الناس العلم ولا يعمل به ومن خصه بالواعظ فقد وهم ومن هو كذلك لا ينتفع بعلمه غالباً ولا بوعظه، إذ مثل المرشد من المسترشد كمل العود من الظل فمتى يستوي الظل والعود أعوج‏؟‏

لا تنه عن خلق وتأتي مثله * عار عليك إذا فعلت عظيم

{‏أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم‏}‏، ‏{‏كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون‏}‏ أوحى الله تعالى إلى عيسى ابن مريم‏:‏ عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس وإلا فاستحي مني‏.‏ وقال مالك بن دينار‏.‏ إذا لم يعمل العالم بعلمه زلت موعظته من القلوب كما يزل القطر من الصفا‏:‏

يا واعظ الناس قد أصبحت متهماً * إذ عبت منهم أموراً أنت تأتيها

وقال عمر لمن سأله عن القص‏:‏ ‏"‏اخش أن تقص فترتفع في نفسك ثم تقص فترتفع حتى يخيل إليك أنك فوقهم بمنزلة الثريا فيضعك الله تحت أقدامهم يوم القيامة‏"‏ رواه أحمد بسند رجاله موثقون‏.‏ فحق الواعظ أن يتعظ بما يعظ ويبصر ثم يبصر ويهتدي ثم يهدي ولا يكون دفتراً يفيد ولا يستفيد ومسناً يشحذ ولا يقطع بل يكون كالشمس التي تفيد القمر الضوء ولها أفضل مما تفيده وكالنار التي تحمي الحديد ولها من الحمى أكثر ويجب أن لا يجرح مقاله بفعله ولا يكذب لسانه بحاله فيكون ممن وصفه الله تعالى بقوله‏:‏ ‏{‏ومن الناس من يعجبك قوله‏}‏ الآية‏.‏ فالواعظ ما لم يكن مع مقاله فعال لم ينتفع به إذ عمله مدرك بالبصر وعلمه مدرك بالبصيرة وأكثر الناس أهل أبصار لا بصائر فيجب كون عنايته بإظهار ما يدركه جماعتهم أكثر ومنزلة الواعظ من الموعوظ كالمداوي من المداوى فكما أن الطبيب إذا قال للناس لا تأكلوا كذا فإنه سم ثم رأوه يأكله عد سخرية وهزواً، كذا الواعظ إذا أمر بما لم يعمله، ومن ثم قيل يا طبيب طبب نفسك فالواعظ من الموعوظ يجري مجرى الطابع من المطبوع فكما يستحيل انطباع الطين من الطابع بما ليس منتقشاً فيه فمحال أن يحصل في نفس الموعوظ ما ليس في نفس الواعظ‏.‏ وقيل من وعظ بقوله ضاع كلامه ومن وعظ بفعله نفذت سهامه‏.‏ وقيل‏:‏ عمل رجل في ألف رجل أبلغ من قول ألف رجل في رجل‏.‏ قال ابن قتيبة والحديث ورد سداً لباب الفساد من الزنادقة احتيالاً على الطعن في الدين فإن القاص يروي مناكير وغرائب يميل بها وجوه الناس إليه وشأن العامة القعود عند من كان حديثه عجيباً انتهى‏.‏ وبذلك عرف أن القص منه ما هو مذموم وهو ما اشتمل على محذور مما ذكر وما هو محمود وهو التذكير بآلاء الله وآياته وأفعاله مع العمل بقضية ذلك‏.‏ قال الغزالي أخرج علي رضي الله تعالى عنه القصاص من مسجد البصرة إلا الحسن لكونه سمعه يتكلم بالتذكير بالموت والتنبيه على عيوب النفس وآفات الإهمال وخواطر الشيطان ويذكر بآلاء الله ونعمائه وتقصير العبد في شكره ويعرف بحقارة الدنيا ‏[‏ص 79‏]‏ وعيوبها وتصرمها وخطر الآخرة وأهوالها فهذا القصّ محمود إجماعاً وهذا القاص محله عند الله عظيم‏.‏ روي أن يزيد ابن هارون مات وكان واعظاً زاهداً فقيل له ما فعل الله بك‏؟‏ قال‏:‏ غفر لي وأول ما قال لي منكر ونكير من ربك قلت لهما أما تستحيان من شيخ دعى إلى الله كذا وكذا سنة‏!‏‏!‏ قالوا وأول من قص تميم الداري في زمن عمر بإذنه وهذه الأولية بالنسبة إلى الأمة المحمدية‏.‏ روي أن موسى قص في بني إسرائيل فمزق بعضهم ثوبه فأوحى الله إليه قل له مزق قلبك ولا تمزق ثوبك‏.‏ وإنما قال في الحديث ‏"‏أبعد الناس‏"‏ لم يقل الخلق لظهور معنى النوس على أفعاله لاضطرابه في مخالفة قوله فعله والنوس حركة الشيء الخفيف المعلق في الهواء ‏.‏